«هدف نبيل» قصة قصيرة للكاتب محمود حمدون

محمود حمدون
محمود حمدون

 لسنا بحاجة إليه, إنما نستعين به شفقة عليه, مساعدة مادية رأفة بأسرته التي يعولها. ثم التقط الفنجان الفارغ, وضعه على صينية بيده, انطلق للداخل, لم ينس أن يلتفتْ إليّ ويهمس: لا تخشاه, لا خطر من علوان.

كان علوان يقف خلفي من فترة, إن انشغلت بشأني أسمع من يتحدث بصوت خفيض, كأنه يقصدني, أستدير للوراء فلا أجد غيره, يقف صامتًا, يضع يديه في جيبي بنطلونه. أسمر البشرة, ضئيل الحجم, لم أستطع أن أحدد عمره بدقة. فعل ذلك أكثر من مرة حتى أثار قلقي, غير أن الجرسون بادر بتفسير الأمر.

دار النادل دورة كاملة, عاد إليّ, يلملم الصواني, الأكواب والفناجين الفارغة, مرّ بجواري, قال: الرجل متعب نفسيًا, أعمل عقله وفكر بعض الوقت في الأحداث الجارية غير أنه لم يتحمل, ثم بصوت خفيض" جاله الفكر بعيد عن السامعين", عادت نبرة صوته لطبيعتها, أكمل حديثه: على العموم للمقهى رسالة إنسانية منذ نشأته, أن يحتضن مثل هؤلاء, لا ندعهم للشارع وأخطاره.

أثنيت على هذا الهدف النبيل, قرأنا الفاتحة معًا على روح مؤسس المقهى القديم, ثم نهضت بتثاقل إلى سبيلي.

غادرت " القللي" المزدحم بالزبائن, يرمقون المتعب من طرف خفي, يبادلهم " علوان" نظراتهم بابتسامة تحمل دعوة مفتوحة للجميع. 

همهمات غامضة تتزايد ببطء, تختلط ببعضها, تنساب من أبوابه العتيقة وتتسرب عبر نوافذه الحديدية التي تطل على مجهول في الخلف.